القائمة الرئيسية

الصفحات

يا ليتني .. كلب بلدى (مقال فلسفي)

يا ليتني .. كلب بلدى - فلسفة على منصة تجربة
يا ليتني .. كلب بلدى - مقال فلسفي على منصة تجربة
وما العجب فى ذلك ؟ وما سر الدهشة التى لا زال تأثيرها جلياً على ملامحك منذ أن قرأت عنوان مقالتى ؟
نعم ، يا ليتنى كنت كلباً بلدياً ، هائماً على وجهى فى الطرقات ، كل البلاد بلادى ، كل الصحارى بالنسبة لى ملاعب ، وكل الوديان مراعى ، على أى جنب أنام ، بأقل الطعام أرضى ، بشربة ماء أروى عطشى ، وماذا فى ذلك ؟؟
لا يوجد عندى تفاصيل تتعبنى ولا مشاكل تغلبنى ، فأنا لست فى حاجة إلى مدارسكم وتعليمكم ، لن أكون مضطراً لخوض منافسات وحروب الثانوية العامة وما قبلها وما بعدها ، لن يشقى أهلى فى الإنفاق على تعليمى ودروسي الخصوصية ، فأنا لست فى حاجة إلى كل ذلك.

لا فرق عندى بين سمراء وشقراء ، ففى موسم التزاوج كل الإناث ملكى ، لا يمنعنى شرع ولا شريعة من نيل ما اشتهى منهن وقتما وكيفما وأينما شئت ، ليس ذلك فحسب ، بل ولن تناقشنى إحداهن لتعرف درجتى العلمية أو خبرتى العملية ، ولن تسألنى عن رصيدى فى البنك ومساحة شقتى ، فكما أرغبها سترغبنى وسيستمتع كلانا بالآخر بلا حدود بلا قيود.

حرية بلا قيود وإشباع بلا حدود ، جميلة هى حياة هذا الكلب البلدى ، منتهى البساطة منتهى اللذة ، لا مساحة فى قلبه الصغير لـ غل أو حقد أو حسد أو كراهية ، ولا مكان فى عقله البسيط لأى إنتماء عقدى أو حزبى أو عصبى أو رياضي ، يفعل ما يحلو له بالكم والكيفية التى تشبعه وفقاً لما هو متاح له.

أعلم أن اندهاشك بدأ فى الإنسحاب و حل محله الاتفاق ولو فى بعض النقاط ، فمن منا – إلا من رحم ربى – لم تحدثه نفسه يوماً وتحرضه على كسر القيود والأغلال التى تمنعنا من المضي فى طريق تلبية شهواتنا و رغباتنا دون الحاجة إلى التفكير فى ما هو حرام يخالف الشرع أو خطأ يعارض القانون ؟ ألست معى فى أنه لا شئ أعظم ولا أحلى من الحرية المطلقة أو كما يطلق عليها أهلوها " البوهيمية " ! بلا تشريعات بلا قوانين بلا أعراف بلا مبادئ.

أوتعلم أن يوم القيامة هناك من سيتمنى أن يكون مثل هذا الكلب ؟
فى آخر آية من سورة النبأ أخبرنا الله عز و جل عن حال نوع من الناس فقال (وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) حيث يتمنى الكافر ذلك حين يرى البهائم والحيوانات قد تحولت إلى تراب فيتمنى ولو أنه كان مثلها وعاش حياتها ثم أصبح تراباً بدلاً من أن يلقى مصير الكافرين فى جهنم ، هذه هى حسابات الكافر آنذاك ، فماذا عن حسابات المؤمن ؟؟

المؤمن بعيد النظر ، استراتيجى التفكير ، لا تبهره حرية مؤقتة ولا متعة زائلة ، وإنما ينظر لما هو أبعد من ذلك ، خلود بلا موت ، إشباع بلا إنقطاع ، فما قيمة ستين أو تسعين سنة من الحرية الزائفة والإنغماس فى الشهوات واللذائذ إذا ما قورنت بالحياة الأبدية فى جنات النعيم ؟ ومن أجل ذلك يحترم المؤمن هذه القواعد ويخضع – بحب – لهذه القيود التى وضعها الخالق لينظم هذه الحياة ويبعدنا عن الهمجية والفوضوية.

جميلة هى الحرية ، الحرية التى تحافظ على حقوق الآخرين و رغباتهم مثلما تحفظ لك حقوقك و رغباتك ، قد يكون لها ثمن ندفعه من خلال عدد من المسئوليات والواجبات ، ولكن المقابل سيكون بلا شك ولا أروع ، حرية خالصة لا مثيل لها ، حرية نستحقها أنا وأنت وسائر بنى البشر.

مقال فلسفي والمصدر رقيم
بقلمأحمد المُلّا

مقالات للكاتب أحمد المُلّا على منصة تجربة

02 - عيناها .. قصة حب لأكثر من 30 عاماً

03 - الكرة التى لعبنا بها .. فلعبت بنا

04 - ( 1 + 1 ≠ 2 ) .. خواطر للكاتب أحمد المُلّا

05 - أشهى "بيض مسلوق" فى 15 خطوة .. تنمية بشرية

هل أعجبك المقال :

تعليقات

محتويات المقال